الذكرى 92 على استشهاد "أسد الصحراء" ورمز المقاومة الليبية "عمر المختار"
مرّ 92 عامًا على إعدام الشهيد "عمر المختار" الذي لُقّب بـ "أسد الصحراء"؛ بسبب حركته المقاوِمة ضد الاحتلال الإيطالي في ليبيا.
تمرُّ الذكرى الـ 92 على استشهاد رائد ورمز المقاومة الليبية شيخ المجاهدين "عمر المختار" الذي قاوم بحركته ضد الاحتلال الإيطالي في ليبيا، حيث اُستشهِد بعد أسره أثناء مقاومة الاستعمار الإيطالي، وكان يبلغ من العمر 73 عامًا.
وقد ولد عمر المختار عام 1862 في بلدة البطنان التابعة لمنطقة دفنة في ليبيا، وبدأ حركة مقاومة جديدة في برقة عام 1923 ضد سياسة استعمار ليبيا من قِبل الفاشيين الذين وصلوا إلى السلطة في إيطاليا عام 1922، وواصل مقاومته حتى عام 1931 حيث أصيب في اشتباك يوم 11 أيلول/ سبتمبر 1931 وأسره الإيطاليون.
وبعد أسره طلبوا من المقاومة والقائد المجاهد "عمر المختار" تسليم جميع المجاهدين المقاومين مقابل حياته، وعندما رُفضت هذه الطلبات، حُكم عليه بالإعدام، فأعطى الرد الشهير التالي على حكم المحكمة المقامة على سبيل الاستعراض: "الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون"، ففي نفس اليوم تمّ إعدامه واستشهاده أمام الجمهور وسط السوق يوم 16 أيلول/ سبتمبر 1931.
وبفضل الديناميكية داخل الحركة السنوسية، فقد حافظت باستمرار على روح وأنفاس المسلمين الأفارقة حية وقوية ضد المستعمرين.
حيث رأى الإيطاليون في ليبيا فريسة سهلة لأسباب سلبية مثل الاحتلال البريطاني لمصر وشبه الافتقار إلى القوة البحرية للإمبراطورية العثمانية، لذلك احتلوا طرابلس في 27 أيلول/ سبتمبر 1911.
كان الإيطاليون يخططون للاستيلاء على ليبيا بأكملها في غضون 15 يومًا
وإيطاليا المحتلة التي كانت تُخطّط وتحلم بالاستيلاء على ليبيا بأكملها في غضون 15 يومًا، وصلت إلى طرابلس في 27 أيلول/ سبتمبر 1911، لكن ضد حرب الاحتلال التي كان يجب أن تنتهي في 15 يومًا، قال عمر المختار: "لن نتخلى عن المقاومة حتى يستشهد جميع أعضائنا، وحتى لو متنا فإنّ أبناءنا وأبناء أبنائنا وأبناءهم سيقاتلون الإيطاليين"، فكانت هذه الكلمات تعطي إشارات على أنّ المقاومة ستستمر لسنوات عديدة، ولقد حدث بالفعل أنّ المقاومة التي قادها "عمر المختار" استمرّت أكثر من 20 عامًا.
وقد أصبح "عمر المختار" والشعب الليبي أسطورة من خلال إبداء مقاومة كبيرة رغم قلة الموارد، حيث كان الجنود الإيطاليون محاصرين حول المدن الساحلية، ووصلت الحرب إلى طريق مسدود، لكن قرّر الشعب الليبي عدم الخضوع للجنود الإيطاليين، وقال: "أقسم بالله لن أترك هذه الجبال دون أن أنال النصر أو الشهادة، ولن أتوقف أبدًا عن هذه الحرب المستمرة ضد الإيطاليين"، وقاوموا الإمبرياليين حتى نهاية مقاومتهم المجيدة.
وبعد أن تولى "عمر المختار" قيادة المقاومة، قام بتنظيم مرؤوسيه في مجموعات صغيرة مكونة من 100-300 فارس مسلح أو راجل، وكانت هذه المجموعات، بقدرتها على التحرك بسرعة كبيرة، تداهم الأرتال العسكرية ووسائل النقل ومراكز الشرطة الإيطالية وتختفي فجأة، ووقع ما لا يقلُّ عن 50 معركة وأكثر من 200 صراع صغير الحجم بين القوات الخاضعة لقيادة "عمر المختار" والقوات الإيطالية كل عام من عام 1923 إلى عام 1932.
كان يعلم الطلاب حتى أثناء الحرب
وبينما كان "عمر المختار" يقاتل الاحتلال الإيطالي، فقد كان يعطي دروس العلوم الإسلامية لجيل الشباب، وحتى في أشد أيام الحرب حرارة، كان عندما يعود إلى القرية يجمع الشباب حوله ويعطيهم الدروس ويستمع إلى تلاواتهم.
ومن أجل تحييد المقاومة، بدأ الإيطاليون بجمع الناس في معسكرات الاعتقال التي أقاموها بالقرب من المدن الساحلية، ولم يهتم الإيطاليون الإمبرياليون بفقد الكثير من الناس أرواحهم، وهلكت الحيوانات على الطرق.
إيطاليا المستعمرة أرسلت 5 ولاة إلى ليبيا في 5 سنوات
وزادوا الضغط والترهيب يومًا بعد يوم، فلقد جففوا موارد المياه وأحرقوا مناطق الغابات ودمروا الماشية، وبحسب القوات الفاشية، فإنّ عدد المجاهدين الذين اُستشهدوا فقط بين عامي 1923 و1929 هو 4 آلاف و329، كما ذبحوا خلال هذه السنوات 142 ألفاً و765 حيواناً صغيراً وماشية.
وعلى الرغم من كل الإجراءات، لم يكن من الممكن كسر مقاومة الشعب الليبي، فكان على حكومة روما أن ترسل خمسة ولاة إلى برقة في غضون خمس سنوات.
الإيطاليون يجلبون المقاتلين إلى إريتريا
وفي عام 1929 استولى الإيطاليون على جميع المدن الواقعة على الساحل والأجزاء الشمالية من جبل الأخضر تحت سيطرة مشددة، وكان الإيطاليون يقومون بدوريات مستمرة بين هذه النقاط المحصنة بأساطيلهم الجوية ووحداتهم الآلية، وخاصة جنود المشاة الذين أحضروهم من مستعمرتهم إريتريا، فزادوا من جرعة المجازر بقتال المقاومين بأسلوبهم، وبعد هذه المجزرة، تمّ ضم الناجين بأعداد كبيرة أمام المركبات المدرعة وتمّ نقلهم شمالًا إلى معسكرات الاعتقال المحصنة والآمنة التي أنشأها الإيطاليون بالقرب من الساحل.
لم يصدق أحد العفو الزائف
وقد أصدر "بادوليو" الملقب بـ "جزار برقة"، والذي تمّ تعيينه حاكمًا عام 1929 عفوًا عامًا، وأعلن أنّه سيقمع بشدة أولئك الذين لن يستسلموا ويواصلوا المقاومة، لكن لم يكن للتهديدات التي أطلقها ضد الجمهور ولا لقرار العفو الزائف أي تأثير كبير بين الناس والمقاومة، ففي شهري شباط/ فبراير وآذار/ مارس 1929، زادت هجمات المقاومة أكثر، وأظهر "عمر المختار" مقاومة كبيرة تحت القصف المكثف للإيطاليين.
وكتكتيك عقد "عمر المختار" وأصدقاؤه اجتماعات مع نائب الحاكم "سيلياني" في 13 حزيران/ يونيو، ومع "بادوليو" في 18 حزيران/ يونيو، ومع "سيلياني" مرة أخرى في 28 حزيران/ يونيو، في أجزاء مختلفة من سيبل، وبعد شهرين من الهدنة، كسر "عمر المختار" الهدنة.
وبدأت الاشتباكات من جديد في 8 تشرين الأول/ نوفمبر 1929، ونظّم مقاتلو المقاومة عملية ضد المقر الإيطالي في بنغازي، وقضوا بالكامل على القوات الإيطالية هناك وفجروا المقر، وقد أثار هذا مفاجأة كبيرة بين المستعمرين، وأخيرًا، سيطر "موسوليني" على الوضع، ففي 10 كانون الثاني/ يناير 1930، تمّ تعيين الجنرال "رودولفو غراتسياني" لقيادة العملية الذي تمّ تدريبه خصيصًا في المستعمرات، وكان القائد الأكثر خبرة ووحشية، ولعب "غراتسياني" دوراً فعالاً في إنهاء المقاومة الإسلامية في سيري بسياساته التي لا تقدر حياة الإنسان.
وأغلق الديكتاتور "غراتسياني" زوايا السنوسي ونفى مشايخهم إلى الخارج وصادر ممتلكاتهم، ولقد أولى أهمية كبيرة لنزع سلاح الناس وزاد من البحث عن الأسلحة، وأقام محاكم متنقلة وهمية وحاكم الناس، وكانت معظم المحاكم الوهمية تؤدي إلى الإعدام، وقام بتوسيع معسكرات الاعتقال وحاصر دولة بأكملها، ولم يكن هناك طعام لإطعام حتى ربع هؤلاء الناس، وكان معدل الوفيات بين الأسرى والحيوانات المغصوبة مروعًا، وتمت إحاطة منطقة مساحتها 300 كيلو متر على الحدود المصرية بسياج من الأسلاك الشائكة، واتّهم المسؤولين المحليين والجنود العاملين تحت قيادة الحكومة الإيطالية بالخيانة وقام بتهدئتهم، وحظر جميع أنواع التجارة مع مصر، وسيطر على اقتصاد شعب جبل الأحمر.
وعندما قرّر "عمر المختار" وبعض المقاومين معه زيارة قبر "سيدي رافع" أحد الصحابة بمنطقة سيلانتا يوم 11 أيلول/ سبتمبر 1931، دخلوا المنطقة التي كانت تحت سيطرة الإيطاليين، فتلقت المخابرات الإيطالية إشعارًا بوجوده، وكان من المستحيل كسر الدائرة التي خلقتها القوات المحيطة بالوادي من جميع الاتجاهات، فقاتل المقاومون حتى أنفاسهم الأخيرة، وقد حاصره الجنود الإيطاليون وتمّ أسره مع المقاومين، مما أدى إلى انهيار المقاومة، وعندما لم يبقَ شيء ليفعله، هجم عليه الجنود وأسروه.
ذكريات الديكتاتور غراتسياني عن "عمر المختار"
ولا يستطيع "غراتسياني" إلا أن يقول عن "عمر المختار" في مذكراته ما يلي: "كان عمر المختار شخصًا مخلصًا للغاية لمعتقداته الدينية، وكان يقاوم أي شخص يحاول مهاجمة معتقداته بحماس وتصميم كبيرين، وقاتل بلا خوف وشجاعة ضد أولئك الذين هاجموا وطنه، ولم تكن لديه الشخصية التي تقبل أي هجوم على وطنه دون رد".
وكان "عمر المختار" يتمتع بذكاء فائق يمكنه الرد على الفور على أي شخص أمامه، وكان في الوقت نفسه يتمتع بمستوى متقدم من الثقافة الإسلامية، وكان لديه سلوك معين، وكان يتمتع بشخصية متفوقة، ولا يهمل أي شيء يتعلق بالإسلام، ولا يبيع دينه مقابل أي مكاسب مادية، ولقد كان شخصًا لا يسعى إلى أي مصالح دنيوية، علاوة على ذلك، كان رجلاً فقيرًا جدًا، ولم يكن يملك شيئاً من الدنيا سوى حب الدين والوطن.
وقد تمّ تقديم "عمر المختار" إلى محاكمة صورية من قِبل المحكمة العرفية الإيطالية في 15 أيلول/ سبتمبر 1931، فصرخ "عمر المختار" في وجه المحكمة التي أصدرت حكم الإعدام كما أمر غراتسياني سابقًا: "الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون".
ولقد ذهب إلى المشنقة بهدوء ودون خوف، أمام أعين آلاف الليبيين الذين تمّ جلبهم من معسكرات الاعتقال، وكان لسانه يردد الآيات الأخيرة من سورة الفجر: "يا أيّتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية". (İLKHA)